فصل: قال أبو جعفر النحاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو جعفر النحاس:

سورة يوسف:
وهي مكية.
1- من ذلك قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه: {الر} (آية 1) قال سعيد بن جبير عن ابن عباس أنا الله أرى وقد تقدم شرح هذه الحروف.
2- وقوله جل وعز: {تلك آيات الكتاب المبين} (آية 1) أي هذه تلك الآيات والتي كنتم توعدون بها في التوراة.
3- وقوله جل وعز: {إنا أنزلناه قرءانا عربيا} (آية 2) يجوز أن يكون المعنى إنا أنزلنا القرآن عربيا، ويجوز أن يكون المعنى {إنا أنزلنا} خبر يوسف وهذا أشبه بالمعنى لأنه يروى أن اليهود قالوا سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن خبر يوسف فأنزل الله جل وعز هذا بمكة موافقا لما في التوراة وفيه زيادة ليست عندهم فكأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم إذ اخبرهم ولم يقرأ كتابا قط ولا هو في موضع كتاب بمنزلة إحياء عيسى عليه السلام الميت.
4- وقوله جل وعز: {نحن نقص عليك أحسن القصص} (آية 3) أي نبين لك والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها.
5- ثم قال جل وعز: {بما أوحينا إليك هذا القرآن} (آية 3) أي بوحينا ثم قال: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين} أي لمن الغافلين عن قصة يوسف لأنه لم يقرأ كتابا قبل ذلك وإنما علمها بالوحي.
6- وقوله جل ذكره: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} (آية 4) قال قتادة والضحاك وهذا لفظ قتادة الأحد عشر كوكبا إخوته والشمس والقمر أبوه وأمه قال معمر وقال غير قتادة أبوه وخالته وقال غيره أول لأحد عشر كوكبا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالكواكب وأول القمر أباه وأول الشمس أمه أو خالته وقال عبد الله بن شداد بن الهاد كان تفسير رؤيا يوسف صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة وذلك مستعمى لم الرؤيا.
7- وقوله جل وعز: {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا} (آية 5) أي فيحتالوا عليك.
8- وقوله جل وعز: {وكذلك يجتبيك ربك} (آية 6) أي يختارك واصله من جبيت الشيء أي حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض.
9- ثم قال جل وعز: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} (آية 6) قال مجاهد أي تأويل الرؤيا.
وقال غيره أي أخبار الأمم.
10- ثم قال جل ذكره: {ويتم نعمته عليك} (آية 6) فأخبره أنه يكون نبيا لأنه قال: {كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق}.
11- وقوله جل وعز: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} (آية 7) قيل بصيرة وقيل أي عبرة وروي انها في بعض المصاحف عبرة للسائلين.
12- ثم قال جل وعز: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى ابينا منا ونحن عصبة} (آية 8) أي جماعة وقال بعض أهل اللغة العصبة العشرة إلى الأربعين.
13- ثم قال جل وعز: {إن أبانا لفي ضلال مبين} (آية 8) أي ضل في محبة يوسف لا في دينه.
14- وقوله جل وعز: {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا} (آية 9) فيه حذف والمعنى أو {اطرحوه أرضا} يبعد فيها عن أبيكم ودل على هذا الحذف {يخل لكم وجه أبيكم} أي يفرغ لكم {وتكونوا من بعده} أي تكونوا من بعد إهلاكه {قوما صالحين} أي تائبين.
15- ثم قال جل وعز: {قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب} (آية 10) الغيابة عند أهل اللغة كل ما غيب عنك والجب البئر التي ليس بمطوية ويروى أن الجب هاهنا بئر بيت المقدس وهي من جبيت أي قطعت كأنها قطعت ولم يحدث فيها شيء بعد القطع قال الضحاك الذي قال لهم: {لا تقتلوا يوسف} هو الذي قال فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبى وهو أكبرهم وقال غيره هو يهوذا وكان أشدهم.
16- وقوله جل وعز: {أرسله معنا غدا نرتع ونلعب} (آية 12) روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي نتحافظ حدثنا ونتكالأ ابن وزاد ابن أبي نجيح في روايته ونتحارس قوله قال هارون سألت أبا عمرو بن العلاء رحمه الله كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ انبياء ومن قرأ {يرتع ويلعب} بالياء فمعناه عندي يرعى الإبل يقال رعى وارتعى له بمعنى واحد وهذه قراءة أهل المدينة وروي عن مجاهد {نرتع} بالنون وكسر التاء يقال ذلك ارتع صاحبه وإبله فرتعت أي اقامت في المرتع والله أعلم بما اراد وقرأ أهل الكوفة {يرتع ويلعب} بإسكان العين ومعناه يتسع في الخصب ويأكل ويقال رتعت الإبل إذا رعت كيف شاءت وكذا غيرها وأرعيتها محمد تركتها ترعى ويقال فلان راتع أي مخصب ومنه:
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت ** فإنما هي إقبال وإدبار

وكذا معنى {نرتع} بفتح النون وإسكان العين وهي قراءة أبى عمرو واهل مكة وروى سعيد عن قتادة قال {نرتع} ننشط ونلهو وهو كمعنى الأول وأما حجة أبي عمرو أنهم لم يكونوا يومئذ أنبياء فلا يحتاج إلى ذلك لأنه ليس باللعب الصاد عن ذكر الله جل وعز، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا بكرا تلاعبها وتلاعبك».
17- وقوله جل وعز: {وأوحينا إليه لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} (آية 15) يجوز أن يكون المعنى واوحينا إليه في الجب وهم لا يشعرون. بذلك الوحي هذا قول قتادة ويجوز ان يكون المعنى لتخبرنهم بأمرهم هذا {وهم لا يشعرون}.
18- وقوله جل ذكره: {قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق} (آية 17) أي ننتضل والمعنى نستبق في الرمي.
19- وقوله جل وعز: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} (آية 17) اي قد اتهمتنا ووقع بقلبك أنا لا نصدق فانت لا تصدقنا.
20- وقوله جل وعز: {وجاءوا على قميصه بدم كذب} (آية 18) روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كان دم سخلة وروى سفيان عن سمأل إلى عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نظر إليه قال كذبتم لو أكله الذئب لخرق القميص وقال الحسن لما نظر إلى الدم ولم ير في القميص شقا ولا خرقا قال ما عهد بالذئب حليما والمعنى بدم ذي كذب أي مكذوب فيه.
21- ثم قال جل وعز: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا} (آية 18) أي زينت.
22- ثم قال جل وعز: {فصبر جميل} (آية 18) ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر الجميل فقال هو الذي لا شكوى معه والمعنى عند أهل النظر الذي لا شكوى معه بغير رضى بقضاء الله فإذا كانت الشكوى إلى الله جل وعز كما قال: إني: {مسني الضر} و: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} أو كانت برضى فصاحبها صابر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في علته: «بل أنا وارأساه».
23- وقوله جل وعز: {وجاءت سيارة} (آية 19) أي قوم يسيرون فأرسلوا واردهم وهو الذي يرد لاستقاء الماء فأدلى دلوه قال الأصمعي يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها ودلوتها إذا استقيت.
24- وقوله جل وعز: {قال يا بشراي هذا غلام} (آية 19) قال السدي والأعمش كان اسمه بشرى وقال غيرهما المعنى يا ايتها البشرى قال أبو جعفر وهذا القول الصحيح لأن أكثر القراء يقرأ يا بشراي هذا غلام والمعنى في نداء البشرى التنبيه لمن حضر وهو أوكد من قولك تبشرت كما تقول با عجباه أي يا عجب هذا من أيامك أو من آياتك فاحضر وهذا مذهب سيبويه.
25- وقوله جل وعز: {وأسروه بضاعة} (آية 19) روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال أسروه المدلي ومن معه من التجار الباقين لئلا يستشركوهم فيه إذا عرفوا ثمنه وقالوا إنما استبضعناه وروى معمر عن قتادة قال أسروا بيعه والمعنى على هذا للأخوة كما روي انه لما وجد أظهر إخوته أنه بضاعة لأصحاب الماء.
26- وقوله جل ثناؤه: {وشروه بثمن بخس} (آية 20) أي ذي بخس والبخس النقصان وقال الشعبي البخس القليل والمعدودة عشرون درهما وقال قتادة بخس أي ظلم وقال الضحاك بخس أي حرام وروي عن ابن عباس وابن مسعود ونوف انهم قالوا اشتروه بعشرين درهما وقال مجاهد وشروه أي باعوه حين أخرجه المدلي وكانوا باعوه باثنين وعشرين درهما وهم أحد عشر.
27- ثم قال جل وعز: {دراهم معدودة} (آية 20) قال الفراء إنما قال معدودة ليدل على قلتها لأنهم كانوا لا يزنون إلا أوقية والأوقية أربعون درهما.
28- ثم قال جل وعز: {وكانوا فيه من الزاهدين} (آية 20) قال أبو عبيدة قال بعض المفسرين إنما زهدوا فيه لقلة علمهم بمنزلته من الله جل وعز.
29- وقوله جل وعز: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه} (آية 21) أي مقامه والمعنى أكرميه وقت مثواه ومنه ثويت في المكان إذا اقمت فيه كما قال الشاعر:
رب ثاو يمل منه الثواء

30- ثم قال جل وعز: {عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا} (آية 21) أي نتبناه وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين قال لامراته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا وابنة شعيب حين قالت لأبيها إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر حين ولى عمر.
31- وقوله جل وعز: {ولما بلغ أشده} (آية 22) قيل الأشد ثلاث وثلاثون سنة وقيل ثلاثون والأكثر انه من تسع عشرة سنة إلى اربعين وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك الأشد الحلم وسبيوبه كان يذهب إلى أنه جمع شدة مثل نعمة وانعم.
32- ثم قال جل وعز: {آتيناه حكما وعلما} (آية 22) والفرق بين الحكيم والعالم أن الحكيم هو الذي يعمل بعلمه ويمتنع من الأشياء القبيحة ومنه قيل حكمة الدابة.
33- وقوله جل وعز: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} (آية 23) معنى راود فلان فلانة طالبها على الفاحشة وترك ذكر الفاحشة لعلم السامع.
34- وقوله جل وعز: {وقالت هيت لك} (آية 23) قال سعيد بن جبير أي تعالة وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تنطعوا في القرآن فإنما هو مثل قول أحدكم هلم وتعال ثم قرأ عبد الله {وقالت هيت لك} بفتح الهاء والتاء وروي عن مجاهد وعكرمة أنهما قرءا وقالت هئت لك بالهمز قال قتادة قرأ ابن عباس {هئت لك} قال عكرمة أي تهيأت لك وأنكر الكسائي هذه القراءة وقال لا أعرف هئت لك بمعنى تهيأت وهي عند البصريين جيدة لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهيئ هيأة فهاء يهئ مثل جاء يجئ وهئت مثل جئت.
35- ثم قال جل وعز: {معاذ الله إنه ربي} (آية 23) يجوز أن يكون المعنى إن الله ربي فلا أعصيه ويجوز أن يكون المعنى إن الملك ربي أي مولاي.
36- وقوله جل وعز: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} (آية 24) قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث والمتقدمون أنه هم بها حتى مثل له يعقوب صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال نا داود بن عمرو الضبي عن نافع وهو ابن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال سئل ابن عباس رحمه الله ما بلغ من هموم يوسف فقال جلس يحل هميانا له فنودي يا يوسف لا تك كالطائر يزني وعليه الريش، فيقعد بلا ريش فلم يتعظ على النداء فرأى برهان ربه ففر وفرق وفي رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال سألت ابن عباس عما بلغ من منة هموم أبو يوسف فذكر نحوه إلا انه قال جلس بين رجليها ورأى يعقوب صلى الله عليه وسلم وروى الأعمش عن مجاهد قال حل سراويله فتمثل له يعقوب فقال له يا يوسف فولى هاربا وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال رأى صورة يعقوب يقول له يوسف يوسف قال أبو صالح رأى صورة يعقوب في سقف البيت يقول يا يوسف يا يوسف وقال الضحاك نحوا من هذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برايه أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم يهم بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله: {ولقد همت به} قال ثم استأنف فقال: {وهم بها} لولا ان رأى برهان ربه بمعنى {لولا أن رأى برهان ربه} لهم بها واحتج بقوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} وبقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم قال أبو جعفر وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بين لمن لم يمل إلى الهوى والذي ذكر من احتجاجهم بقول: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} لا يلزم لأنه لم يواقع المعصية وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال له حين قال: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} ولا حين هممت فقال: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء} وكذلك احتجاجهم بقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} لا يلزم لأنه يجوز ان يكون هذا بعد الهموم وقال الحسن: إن الله جل وعز لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة وقيل معنى وهم أنه شيء يخطر على القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه» فهذا مما يخطر بالقلب ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما وفي الحديث: «إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة مرة».